إذا ما كنت معي اليوم، في واحدة
من تلك المصالح البيروقراطية التي تختص كل منها بنوعية معينة من
الاحتياجات الروتينية اليومية للمواطنين المصريين، ستلاحظ احتفاظ هذا
المبني القديم بهيئته. غرف واسعة، بهو ممتد، طرقات أرضيتها رخام وجدرانها
بيضاء، وبالطبع نجفة هائلة تتدلى من محور كل هذا. الحكومات تحافظ على هذه
المباني كما هي كنوع من الوقار لازم لهيبتها كدولة. الحمامات نظيفة،
الترميم كلما احتاجوه، والتجديد كلما رغبوه. عمال النظافة مختارون بعناية، لا يرون سواك حين تخالف تقليدًا ما، وحبّات التراب كلما انتهكت ركن من أركان المكان.
سردت ما سبق لأنه يكتمل بطاقم الموظفات اللاتي تتراوح أعمارهن بين الثلاثين والخامسة وخمسين. يعملن كسكرتارية في مختلف أجنحة المبنى. يرتدين أغطية رأس زاهية، وفي هذا التوقيت من العام بالطوهات صوفية أو قطنية ثقيلة، إما سادة فاقعة اللون كالأحمر والفوشيا، أو كاروهات عريضة أبيض وأسود. خطواتهن على الرخام تكون بأحذية ربع كعب كي يصحبهن الصوت المميز وسط الهدوء والصمت المحيط. ستسمع نغمة رنين أحد هواتفهن المحمولة بصوت عبد الحليم حافظ نفسه "أنا لك على طول، خليك ليّ". وستسمع ذكر اسم (رُدينة) في عائلة أي واحدة منهن، ابنة، حفيدة، أو ابنة أخت. هذا القطاع العريض من الموظفات على مستوى الجمهورية، المستقر مهنيًا، والناقل لتقاليده وأفكاره إلى حديثات الزواج منهن لا يدرك قبح الاسم من حيث منطوقه ومعناه، بل يرونه جميلًا مميزًا ويزيد من اعتزازهن بما وصلن له باجتهاد وبدقة. كلهن مسلمات. قمن عبر سنوات ودون قصد/قصد/كيد/نفسنة/خباثة بازاحة النسخة المسيحية منهن. فبحرصهن على تبادل الزيارات والهدايا في كل المناسبات الخاصة أو العامة (ڤازات، ورد، شيكولاته من مانّا)، انفصلت النسختان وسادت الأغلبية المسلمة. ستجد المسيحيون رجالًا فقط في هذه الأماكن، لأنهم أكثر أمنًا بحكم استحالة الاختلاط بهم إلا في مزحة عابرة أو رسالة معايدة كل عام.
ستجدني بعد كتابة هذا جالسًا فوق الأرضية الرخام لأحد الممرات صانعًا برجليّ هرمين صغيرين منتصبين ويداي على ركبتي، وأنظر برأسي نحو حارس العمارة التي أسكن بها، أثناء صعوده درجات السلم الواسع الأبيض لهذا المبنى، قائلًا له: "I'm finished."
سردت ما سبق لأنه يكتمل بطاقم الموظفات اللاتي تتراوح أعمارهن بين الثلاثين والخامسة وخمسين. يعملن كسكرتارية في مختلف أجنحة المبنى. يرتدين أغطية رأس زاهية، وفي هذا التوقيت من العام بالطوهات صوفية أو قطنية ثقيلة، إما سادة فاقعة اللون كالأحمر والفوشيا، أو كاروهات عريضة أبيض وأسود. خطواتهن على الرخام تكون بأحذية ربع كعب كي يصحبهن الصوت المميز وسط الهدوء والصمت المحيط. ستسمع نغمة رنين أحد هواتفهن المحمولة بصوت عبد الحليم حافظ نفسه "أنا لك على طول، خليك ليّ". وستسمع ذكر اسم (رُدينة) في عائلة أي واحدة منهن، ابنة، حفيدة، أو ابنة أخت. هذا القطاع العريض من الموظفات على مستوى الجمهورية، المستقر مهنيًا، والناقل لتقاليده وأفكاره إلى حديثات الزواج منهن لا يدرك قبح الاسم من حيث منطوقه ومعناه، بل يرونه جميلًا مميزًا ويزيد من اعتزازهن بما وصلن له باجتهاد وبدقة. كلهن مسلمات. قمن عبر سنوات ودون قصد/قصد/كيد/نفسنة/خباثة بازاحة النسخة المسيحية منهن. فبحرصهن على تبادل الزيارات والهدايا في كل المناسبات الخاصة أو العامة (ڤازات، ورد، شيكولاته من مانّا)، انفصلت النسختان وسادت الأغلبية المسلمة. ستجد المسيحيون رجالًا فقط في هذه الأماكن، لأنهم أكثر أمنًا بحكم استحالة الاختلاط بهم إلا في مزحة عابرة أو رسالة معايدة كل عام.
ستجدني بعد كتابة هذا جالسًا فوق الأرضية الرخام لأحد الممرات صانعًا برجليّ هرمين صغيرين منتصبين ويداي على ركبتي، وأنظر برأسي نحو حارس العمارة التي أسكن بها، أثناء صعوده درجات السلم الواسع الأبيض لهذا المبنى، قائلًا له: "I'm finished."
No comments:
Post a Comment